أخطأ ولا شك رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري المهندس "أسامة الشيخ" عندما أصدر هذا القرار بمراجعة كل المسلسلات التليفزيونية على خلفية اتهام مسلسل "العار" بالإساءة إلى المرأة المغربية!.
الغريب في الأمر ليس قرار "الشيخ" المتسرع؛ ولكن اعتذار مؤلف المسلسل "أحمد محمود أبو زيد" وأيضاً الممثلة "إيمان شاكر" ملكة جمال المغرب عام 2008 التي أدت شخصية فتاة ليل في مسلسل "العار"، مؤكدة أنها لم تكن تعرف بأنها تؤدي دور فتاة ليل.
والواقع أن أكثر من جمعية نسائية في المغرب قد أعربت عن غضبها لتقديم المرأة المغربية في صورة سلبية، ولم تكن هذه هي المرة الأولى سبق وأن أعلنت المغرب غضبها بسبب فيلم "الوعد" الذي عرض قبل عام ونصف وتخلله جزء من الأحداث يجري في المغرب ويتناول "المافيا"، غضبوا في المغرب واعتبروا أن الفيلم يسيء للمملكة المغربية.
ومع الأسف فإن الأمر ليس قاصراً فقط على المغرب؛ ولكن أغلب الدول العربية لديها قدر مماثل من الحساسية، ولا أبرئ في هذه الحالة مصر من أعراض هذا المرض، حيث إننا في العام الماضي منعنا عرض الفيلم المغربي "لولا" في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي بنفس الحجة وهي الإساءة لسمعة مصر، ويومها غضبوا في المغرب وطالبوا بالمعاملة بالمثل ومنع عرض أي فيلم مصري في المهرجانات السينمائية المغربية!!.
نتعامل مع الفن وحرية التعبير بقدرٍ من عدم إدراك خطورة ما تصدره من قرارات، فما الذي يدفع مسؤولا كبيرا إلى أن يصدر قراراً بمراجعة الأعمال الفنية بحجة أنها قد تسيء لدولة عربية، وماذا لو قررت كل دولة عربية ألا تقدم أي مواطن يحمل جنسيتها إلا فقط باعتباره يحمل صورة إيجابية وكأننا بصدد "كارت بوستال"؟!.
هل يسيء للمصريين؟
لو ألقينا نظرة على مسلسل "العار" الذي أثار كل هذه الضجة سوف نكتشف أن كل الأبطال المصريين مدانون أخلاقياً ودينياً واجتماعياً، وكلهم وافقوا على الاتجار في الحرام، فهل نعتبر أن هذا المسلسل يسيء إلى الشخصية المصرية ونمنع عرضه في مصر.
من البديهي أن كل الجنسيات بها شخصيات سلبية سواء أكان مصرياً أو خليجياً أو مغاربياً، فالانحراف ليس قريناً بجنسية ما، ولو طبقنا هذه المعايير سوف نجد أنفسنا نفكر ألف مرة قبل أن نشي بجنسية الأبطال.
إن الدلالة التي أراها هي أننا لم نعرف بعد قواعد الفن ولا الهدف من أي عمل فني؛ لأن كل جنسية في هذه الحالة تعتبر أنها فوق مستوى الآخرين متجاوزة أي نقد.
حساسيات عربية
مثلاً في مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" هناك أكثر من شخصية لها جذور شامية، إحدى زوجات الحاج "فرج" الذي أدى دوره "حسن يوسف" في المسلسل سورية، وشقيقها الذي أدى دوره "باسم ياخور" سوري أيضاً ولعب دور أحد أزواج "زهرة".
ماذا لو تصورنا جدلاً أننا قدمنا في المسلسل شخصية "ماجد" كانتهازي يريد أن يستحوذ على أموال الحاجة "زهرة"، هل تعتبرها في هذه الحالة سوريا إهانة للشخصية السورية، وتطالب بمنع عرض المسلسل.
أنا أعلم بالطبع أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأن الحساسية قد تؤدي إلى إصدار قرارات عشوائية لامتصاص الغضب، ولكن القادم.. ولا شك أسوأ؛ حيث ستطالب كل دولة عربية بالمعاملة بالمثل، ويمنع تقديم أي دور لفنان يحمل جنسية عربية، إلا إذا كان شخصية مثالية، وفي هذه الحالة فقل على الدراما العربية السلام!.